من العمليات الاستشهادية إلى الضفادع البشرية: رحلة القسام في البحر
من العمليات الاستشهادية إلى الضفادع البشرية: رحلة القسام في البحر

وحدة الضفادع البشرية - كتائب القسام
في العام 2000، بدأت حكاية "الكوماندوز" البحري لكتائب عز الدين القسام، والتي تعرف أيضًا بقوات "الضفادع البشرية"، على يدالاستشهادي حمدي إنصيو. قاد إنصيو قاربًا مفخخًا ونفذ هجومًا بحريًا استهدف إحدى الزوارق الحربية التابعة لجيش الاحتلالالإسرائيلي في عرض بحر غزة. هذا الهجوم البحري، الذي جرى في 7 نوفمبر 2000، كان أول هجوم بحري ينفذه كتائب القسام خلالانتفاضة الأقصى.
تداعب الأمواج تحت أقدام المقاتلين الفلسطينيين، لكن هذا الهجوم لم يكن مجرد حدث عابر. إنه كان بداية تحول البحر إلى جبهة اشتباك معالاحتلال الإسرائيلي. بالإضافة إلى تكلل الهجوم بنجاحه بسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف قوات البحرية الإسرائيلية.
تأثير الهجمات البحرية:
هذه الهجمات البحرية لم تقتصر على الهجوم الأول الذي نفذته كتائب القسام، بل أصبحت نموذجًا يحتذى به لفصائل المقاومة الفلسطينية. تزامنت هذه العمليات البحرية مع العمليات الاستشهادية البرية التي ضربت عمق الاحتلال.
في نوفمبر 2002، نفذت سرايا القدس عملية استهداف زورق حربي إسرائيلي باستخدام قارب مفخخ، وقاد الهجوم الاستشهاديان جمالإسماعيل ومحمد المصري. وفي عام 2004، نفذت كتائب القسام عملية أخرى استهدفت زورق حربي في عرض البحر باستخدام قاربمفخخ، وقاد الهجوم الاستشهادي محمود الجماصي.
المرحلة التالية:
في 25 مارس 2004، بعد مرور ثلاثة أيام فقط على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، شهدنا النقلة الثانية في ميدان العمليات البحرية. خلالهذا الوقت، نجح الاستشهاديان إسحاق نصار وزكريا أبو زور من كتائب القسام في اقتحام مستوطنة "تل قطيف" جنوب قطاع غزة عبرالبحر.
خلال هذه العملية، تم أسر مستوطن إسرائيلي، ولكنه فيما بعد قتل خلال اصطدامه بقوات الاحتلال أثناء انسحاب الاستشهاديين.
بهذه الطريقة، تطورت مهارات الكوماندوز البحري لكتائب القسام، وأصبحوا عنوانًا هامًا في تحقيق التوازن والردع في المياه البحريةالمحيطة بقطاع غزة، مما أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي على مراجعة استراتيجيته وتكييفها لمواجهة هذا التحدي البحري.
بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، قامت حركة المقاومة، بقيادة كتائب القسام، بتطوير وتدريب أجنحتها البرية، بينمابقيت وحدة الكوماندوز البحرية محدودة في الظل. لكن في مارس 2014، أعلنت كتائب القسام عن وحدتها البحرية للمرة الأولى خلال تأبينالقيادي إبراهيم الغول الذي استشهد.
تم تصوير إبراهيم الغول وهو يرتدي زي الضفادع البشرية ويحمل رشاشه الآلي، وهذا كان مشهدًا غير تقليدي لشهداء الكتائب الذين كانوايرتدون الزي العسكري البري. كما ظهرت لقطات أخرى لمقاتلين من القسام وهم يرتدون سترات الغوص وأجهزة التنفس تحت الماء، ويتلقونتدريبات متخصصة في العمليات البحرية.
هذا الإعلان عن وحدة الكوماندوز البحرية أشار إلى بداية مشوارها الميداني بعد شهور قليلة من هذا الإعلان.
بتاريخ الثامن من يوليو/تموز في عام 2014، أثناء معركة "العصف المأكول" في قطاع غزة، تم الإعلان عن اغتيال محمد سعيد شعبان، وهوقائد في كتائب القسام، بواسطة غارة جوية استهدفت سيارته على مفترق الشعبية شرق مدينة غزة. كان شعبان أيضًا قائد وحداتالكوماندوز البحري في الكتائب.
على الفور بعد هذا الحادث، أعلنت كتائب القسام عن تنفيذ عملية اقتحام لقاعدة "زيكيم" العسكرية البحرية. وفي الوقت الذي تم فيه الإعلانعن الاشتباكات في القاعدة، لم يكن هناك الكثير من المعلومات المتاحة بخصوص هذه العملية.
تعتبر هذه العملية أول ظهور علني لوحدات الكوماندوز البحرية في كتائب القسام خلال الحرب الثالثة على غزة. وعلى الرغم من مفاجأة هذهالعملية للأعداء، إلا أن الاحتلال أعلن عن تصفية الخلية التي نفذت الاقتحام بسرعة ونشر مشاهد مصورة تظهر قصفهم بالطائرات الحربيةوالقوارب.
فقد تم الكشف عن تفاصيل العملية "زيكيم" في وقت لاحق في 14 ديسمبر/كانون الأول 2014 خلال احتفالية نظمتها حركة حماس بذكرىتأسيسها الـ 27. وخلال هذا الحدث، تم عرض مجموعات الكوماندوز البحرية علنيًا ضمن تشكيلات كتائب القسام المختلفة، ومنها وحداتالمدفعية ومكافحة الدروع والطائرات بدون طيار والنخبة والمشاة وغيرها.
بالتزامن مع هذا العرض العسكري، قامت فضائية "الأقصى"، التي تابعتها حركة حماس، بنشر مقاطع فيديو توثق لأول مرة عملية "زيكيم" البحرية. تم الحصول على هذه المقاطع عبر عملية اختراق سيبراني نفذتها كتائب القسام، حيث تظهر تفاصيل العملية وكيف تمكن المقاتلونالأربعة من اجتياز القاعدة العسكرية والاشتباك في داخلها، ثم الانسحاب باتجاه البحر. وقد أسفرت هذه العملية عن تفجير أحد المقاتلينلدبابة عسكرية قبل أن يتعرضوا لقصف مكثف من الجيش الإسرائيلي برا وبحرا وجوا.
بهذه الطريقة، قامت كتائب القسام بدحض رواية الاحتلال بنجاح حول تفاصيل عملية "زيكيم"، مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى فتح تحقيقواسع لمعرفة كيف تمكنت الكتائب من الوصول إلى تلك المشاهد المصورة والتي أثبتت فشل روايته.
في يوليو 2015، مارست كتائب القسام حق الرد على اغتيال القائد محمد سعيد شعبان، وذلك بالكشف عن مزيد من التفاصيل حول عمليةاقتحام قاعدة "زيكيم" البحرية. تم تقديم وصايا منفذي العملية، وتم الإعلان عن إخفاء أحد المنفذين الذي أجرى عملية استطلاع لساعاتداخل القاعدة قبل عودته سالمًا إلى قطاع غزة.
المنفذين الذين نفذوا العملية واستشهدوا هم بشار عابد، وحسن الهندي، وخالد الحلو، ومحمد أبو دية، جميعهم من مقاتلي كتائب القسام فيلواء غزة الجنوبي ولواء الشمال، وكانوا أعضاء في وحدة الكوماندوز البحرية التابعة للكتائب. قد تلقوا تدريبات عسكرية مكثفة أتاحت لهمالسباحة على مسافات طويلة انطلاقاً من شاطئ بحر غزة باتجاه القاعدة العسكرية.
تفاصيل العملية تشير إلى أن مجموعة الكوماندوز تمكنت من اختراق الحدود البحرية مع العدو، وقام أفرادها بالانقسام إلى مجموعتين. توجهت المجموعة الأولى إلى شاطئ العدو واندلعت اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في موقع القيادة والسيطرة البحرية الصهيونية. بعدمرور 45 دقيقة وصلت المجموعة الثانية والتقت المجموعتين في قاعدة القيادة والسيطرة.
في هذا الوقت، قامت مدفعية القسام بقصف قاعدة "زيكيم" بقذائف الهاون وصواريخ 107 بالتنسيق مع المجموعات الكوماندوز.
يُعد الجانب البحري لعملية "زيكيم" تحديًا بالغ الأهمية للاحتلال، حيث يسيطر على سواحل تمتد لأكثر من 200 كيلومتر وتضم المدن المحتلةوالمستوطنات والمرافق الاستراتيجية مثل الموانئ ومنصات استخراج الغاز. على الرغم من التناقضات الأولية في رواية الاحتلال للعملية، إلاأنه أقر لاحقًا بأهمية وحدات الكوماندوز البحرية، وأشاد رئيس أركان جيش الاحتلال بشجاعتهم.
تأثير هذه العملية كان كبيرًا لدرجة أن الاحتلال بدأ ببناء "جدار بحري" فاصل على حدود قطاع غزة في عام 2018، وبدأ مشروع "الجدارالحدودي الذكي" لمواجهة تهديد الأنفاق التي تعرضت لها مواقعه العسكرية خلال المعركة في عام 2014.
في يناير 2019، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن اكتمال مشروع الجدار البحري على الحدود الشمالية لقطاع غزة. هذا الجدار يتألف منقسم فوق سطح البحر يبلغ طوله 200 متر، مصنوع من الصخور والخرسانة المسلحة، ويضم سياجًا بارتفاع 6 أمتار فوق سطح البحر، إلىجانب جدار خرساني تحت الماء ومعدات استشعار عن بعد.
أشاد وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، أفيغدور ليبرمان، بهذا المشروع وصفه بأنه "العقبة البحرية الأولى من نوعها في العالم". وأوضح أنهذا الجدار سيعيق أي محاولة لاختراق قوات من قطاع غزة إلى إسرائيل عبر البحر، مما سيقلل من القدرات الاستراتيجية لحركة حماس.
في عام 2021، خلال معركة "سيف القدس"، فقدت وحدة الكوماندوز البحرية أربعة من مقاتليها بسبب قصف إسرائيلي على شاطئ بحرغزة. كانوا يستهدفون قطعة بحرية لجيش الاحتلال في عرض البحر باستخدام غواصة مسيّرة.
في فيلم وثائقي بعنوان "صقور الساحل" الذي أصدرته كتائب القسام في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المقاتلين، تم الكشف عن هويةالشهداء الأربعة: محمد حسن أبو سمعان، وعلي بريص، ومحمد جمال أبو سمعان، وأحمد خليل اللوح. جميعهم كانوا من أفراد وحدةالكوماندوز البحرية وكشف الفيلم عن تدريباتهم وتحضيراتهم قبل تنفيذ العمليات البحرية.
بعد أربع سنوات من اكتمال مشروع الجدار البحري وسنتين من الانتهاء من بناء الجدار الحديدي على الحدود البرية مع قطاع غزة، شهدتشمس السابع من أكتوبر 2023 حدثاً تاريخياً هز منظومة الجدران المحيطة بالقطاع.
خلال هذا اليوم الذي سيُذكر في التاريخ، قامت قوات النخبة في كتائب القسام بعملية إنزال جوي مذهلة واختراق من فوق الأرض. تمكنتهذه القوات من السيطرة على جميع المواقع العسكرية والمستوطنات في "غلاف غزة". بالتزامن مع ذلك، شرع مقاتلو الكوماندوز البحري فيالإبحار عبر زوارق سريعة على شواطئ عسقلان. نجحوا في السيطرة مرة أخرى على قاعدة "زيكيم" العسكرية البحرية، ووثقوا العمليةالتي أسفرت عن مقتل عدد من جنود الاحتلال.
هذا اليوم شهد مشاهد لا تُنسى لمقاتلي الكوماندوز وهم يتوغلون في عمق الأرض المحتلة باستخدام سيارات إسرائيلية كانوا قد غنموها منقلب القاعدة العسكرية. تجسدت هذه العملية كطوفان قوي من البحر، مهدداً بشكل كبير مشروعات الجدران الإسرائيلية المكلفة، وقد عكستتحدّيا جديدا للمنظومة الأمنية الإسرائيلية في قطاع غزة.